في الكلاسيكو التاسع الذي يجمع بين برشلونة وريال مدريد، تحت قيادة أكثر مدربي العالم شهرة وحنكة، بيب جوارديولا، وجوزيه مورينيو، يأمل خلاله كل مدرب لتخطي الآخر والإطاحة بأكبر خطر قد يهدد مشواريهما في بطولة كأس ملك إسبانيا، وذلك عندما يتقابل الفريقان في دور الثمانية من البطولة يوم الأربعاء المقبل.
وبإلقاء الضوء على تاريخ مواجهات الفريقين تحت قيادة " بيب ، والمو" ، سنجد أن الكفة ستميل ناحية أبناء إقليم كتالونيا برصيد 4 إنتصارات، مقابل فوز واحد فقط للميرينجي .. بينما تعادل الفريقان في ثلاث مناسبات. ومهما كان مستوى الفريقان سواء في دوري أبطال أوروبا، أو الدوري الإسباني أو الكأس، فإن مباريات الكلاسيكو تعتبر ذات مذاق خاص، وخلالها تظهر قدرات وإمكانيات استثنائية لا تدل بأي شكل في بعض الأحيان على مستوى الفريق بشكل عام.
وبالإشارة إلى السببين الرئيسيين لتفوق البارسا على الريال في السنوات القليلة الماضية، هما جوارديولا الذي ابتكر أسلوباً جديداً لاستفزاز الميرينجي تنفذه مجموعة من اللاعبين من ذوي القدرات العقلية الاستثنائية .. قبل أقدامهم، الأمر الذي انعكس إيجابياً على نفوس لاعبي إقليم كتالونيا وخلق سلاحاً نفسياً جديداً من شأنه " تخدير " الريال .. في المقابل لم يعد بوسع المدرب جوزيه مورينيو إلا اللجوء للإسلوب الدفاعي والإعتماد على الهجمات الخاطفة التي يتميز في تنفيذها لاعبي الريال بفضل السرعات التي ترجح كفتهم في مواجهة دفاع البارسا الذب يعيبه بعض البطء ..فتلك الهجمات أظهرت نجاحها مع مورينيو في مواجهتي دوري الأبطال مع الإنتر أمام البارسا، ونهائي كأس إسبانيا مع الريال، حيث أسفرت كل المباريات التي لجاً فيها لاعبي الريال للتحرر الدفاعي إلى نتائج سلبية صبت في مصلحة البارسا.
ويؤكد لاعبو كرة القدم العالميين، ولاعبو البارسا أنفسهم أن ما يظهر في شاشات التليفزيون من تمريرات وسرعة في التحرك والانصهار الشديد بين خطوط الفريق ليس بالأمر السهل، حيث كان انيستا قد صرح في إحدى مباريات الدوري الإسباني "ما نفعله ليس سهلاً". بل إن البعض شبه أسلوب لعب البارسا بال"بلاي ستيشن".
عندما بدرت في ذهن جوارديولا فكرة الاعتماد على التمرير القصير معتمداً مؤخراً على ابتكاره لطريقة 3-7-0 ونفذها أمام الريال في ذهاب قبل نهائي دوري الأبطال العام الماضي، لم يكن هذا الفعل بالأمر اليسير على لاعبي كرة القدم بشكل عام، بل إن بيب يملك مجموعة لاعبين تملك قدرات ذهنية خارقة وفريدة من نوعها، فقرار التمرير الذي ينفذه هؤلاء في أجزاء من الثانية، وتغيير مسار اللعب في لحظات ، ليس بالأمر السهل على اي لاعب لتنفيذه .. وأبرز هؤلاء اللاعبين هم اندرياس انيستا، وتشابي هيرنانديز، وليونيل ميسي، حتى أن مدافعين أمثال دانيل الفيس وايريك ابيدال وجيرارد بيكي يملكون قدرات في التمرير والسيطرة على الكرة لا تتوافر في مهاجمين بفرق أخرى.
العامل النفسي يعتبر أحد الأسباب التي تضاف لأسلحة بيب جوارديولا ورفاقه، حيث أن الحالة النفسية للاعب لا تقل أهمية عن الحالة البدنية له في المباريات، ففي بعض المباريات، استطاع أبناء البارسا أن يحسمو مواجهات مع ريال مدريد لهذا السبب كما حدث في مواجهتي ذهاب وإياب كأس السوبر الإسباني والمباراة الأخيرة في الدوري التي انتهت بنتيجة 3-1 بعدما كان البلوجرانا متأخراً بهدف كريم بنزيمة في الدقيقة الأولى من المباراة.
جوزيه مورينيو .. شاء القدر أن يضع هذا المدرب العبقري الذي يملك سمات القيادة الحكيمة ، في اختبارات صعبة عندما يواجه أفضل فريق في العالم . وتشير مواجهات مورينهو مع بيب جوارديولا، أنه لم يجد أسلوباً يستطيع من خلاله أن يفك شفرة فريقه سوى في مباراة وحيدة وهي نهائي كأس ملك إسبانيا العام الماضي، عندما لجأ لدفاع المنطقة واعتمد على سرعات لاعبيه في الهجمات المرتدة وهي ميزة تضاف لرصيد الميرينجي، حيث يعاني دفاع البارسا من بطء بعض من لاعبيه عند التعامل مع " الاسبرينت " السرعات للمهاجم القادم من الخلف في مساحات طولية ، خاصة وإن كانوا من طراز رونالدو ودي ماريا وهيجواين، ولعل "التكتيك" الذي يعتمده بيب دفاعياً من خلال عملية الترحيل أو التغطية المتتابعة ، تعوض هذا النقص في كثير من الأحيان .
ففي الكلاسيكو الأول (29/11/2010)، أشعل البارسا ملعب كامب نو عندما اكتسح الريال بخماسية نظيفة، وحينها ارتكب مورينيو في أول اختبار له، خطأ فادحاً عندما لعب بدفاع متقدم، وحاول إعتماد أسلوب هجومي في مواجهة البلوجرانا، ولكنه لم يصمد كثيراً وتلقى خمسة أهداف ليستمر التفوق الأزرق والأحمر الذي صنعه بيب جوارديولا منذ أن تولى تدريب مهام البارسا في صيف 2008.
في ثاني كلاسيكو جوارديولا – مورينيو (16/4/2011)، تعادل الفريقان على ملعب سانتياجو برنابيو بهدف لكل فريق عن طريق كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي (الهدفان جاءا من كلتي جزاء)، مستوى الفريقان لم يكن مميزاً وقدما مباراة لم توصف بالنارية، وحينها لم تؤثر نتيجة التعادل على انطلاقة البارسا نحو حصد لقب الدوري.
الكلاسيكو الثالث (20/4/2011)، بدأ البرتغالي الداهية جوزيه مورينيو يتيقن إنه في نهائي مثل كأس إسبانيا، لا يمكن ان تجاري البارسا وتواجهه بنفس أسلوبه، فاعتمد "المو" أسلوب إنتر ميلان في إياب قبل نهائي دوري الأبطال عام 2010، عندما لعب بأسلوب دفاع المنطقة وثبت ال11 لاعب حول منطقة جزاء الحارس سيزار، وكون خطان دفاعيان ليشيد جداراً دفاعياً منيعاً أمام أفضل هجوم في العالم.
وبالفعل التزم لاعبو ريال مدريد بتعليمات مدربهم، واستطاعو من هجمة مرتدة أنهاها رونالدو برأسية رائعة في شباك الحارس خوسيه مانويل بينتو، ليتوج الملكي بكأس غالي على حساب غريمه التقليدي برشلونة، وأصبح وقتها مورينيو "سوبر مان" جماهير الميرينجي حيث نجح في حصد أول لقب للملكي بعد سنوات عجاف سيطر فيها البارسا على أغلب ألقابها.
الكلاسيكو الرابع (27/4/2011)، تعلم جوارديولا الدرس وابتكر طريقة جديدة لخرق دفاعات الملكي خلال ذهاب قبل نهائي دوري أبطال أوروبا على ملعب سانتياجو برنابيو،خاصة أن أسلوب مورينيو نجح في نهائي الكأس من حيث إغلاق المساحات في المنطقة الخلفية، فأمر لاعبيه بالسيطرة على الكرة والتمرير في وسط الملعب من أجل استفزاز لاعبي الريال الذين وقعوا في الفخ وتعرض المدافع البرتغالي بيبي لحالة طرد بعد تدخل عنيف على داني الفيس نال على اثره البطاقة الحمراء، ولكن المثير للسخرية إن الإعادات التليفزيونية أظهرت عدم تدخل بيبي على قدم ألفيس، وكاد إيمانويل إديبايور أن يحصل على بطاقة حمراء في أحد التدخلات بسبب تعرضه للاستفزاز "الذكي"، وسرعان ما فقد دفاع الملكي أحد عناصره، إلى أن تمكن الأرجنتيني ليونيل ميسي من اختراق دفاعات أصحاب ملعب سانتياجو برنابيو، وسجل الهدف الأول، وتلاه بهدف ثاني صادم قبل النهاية بثلاث دقائق.
الكلاسيكو الخامس (3/5/2011)، لم يكن لدى أحد من متابعي الكرة أدنى شك في أن يحسم البارسا التأهل لنهائي دوري الأبطال، ووقتذاك تعامل البلوجرانا مع المباراة بمنطق، واستطاعو تسجيل هدفاً عن طريق بيدرو رودريجيز، إلا أن هدف مارسيلو لم يحرك ساكناً للبارسا وظهر التماسك على أداءهم وبعد المباراة صرح بيب جوارديولا قائلاً "لاعبو البارسا يذهلونني، كان بإمكانهم تشتيت الكرات في الدقائق الأخيرة من المباراة ولكنهم ظلوا يمتعون الجماهير ..لقد تفاجئت بهم".
الكلاسيكو السادس (14/8/2011)، ظهر البارسا في أسوأ حالاته في بداية الموسم الكروي الجديد، أمام ريال مدريد المنتشي بفترة إعداداته وذلك في ذهاب كأس السوبر الإسباني، وكان الملكي متفوقاً من حيث الأداء واستطاع تسجيل هدف مبكر عن طريق مسعود أوزيل، ولكن العامل النفسي لعب دوراً كبيراً في ظل غياب عامل القدرات البدنية، وتمكن ديفيد فيا أن يسجل هدف التقدم وسط "ذهول" من جماهير البارسا أنفسهم الذين يرون حال فريقهم المخزي. الأمر الذي زاد من ظهور علامات التعجب في اللقاء أن ليونيل ميسي تمكن من تسجيل الهدف الثاني للبارسا قبل نهاية الشوط الأول بثواني، ولكن في الشوط الثاني، استغل الملكي حالة البارسا الذي لم يظهر عليها من قبل في كلاسيكو جوارديولا – مورينيو، واستطاع تعديل النتيجة بهدف تشابي ألونسو، لتصب مصلحة النتيجة لصالح البارسا الذي مازالت هناك مباراة إياب تقام على ملعب الكامب نو، ومازالت أيضاً أمامه فرصة لإعادة ترتيب أوراقه والاستعدادا جيداً لموقعة جديدة من الكلاسيكو.
الكلاسيكو السابع (18/8/2011)، تحرر لاعبو الريال من الأسلوب الدفاعي الشهير لجوزيه مورينيو في إياب السوبر الإسباني على ملعب الكامب نو، وسرعان ما تمكن اندرياس انيستا من تسجيل هدف رائع في شباك إيكر كاسياس في الدقيقة 15، قبل أن يعادل كريستيانو رونالدو النتيجة بعدها بخمس دقائق، وفي الدقيقة 45 استطاع ميسي تسجيل هدف التقدم للبارسا مجدداً، قبل أن يعادل كريم بنزيمة النتيجة في الدقيقة 82 وسط ذهول وصدمة من جماهير ملعب كامب نو. إلا أن العامل النفسي لعب دوراً مؤثراً في صفوف الفريقين، ولعب البارسا بثقة في الدقائق الأخيرة المتبقية وبالفعل تمكن البرغوث من تسجيل هدف أثلج به صدور الكتالونيين في الدقيقة 88، ليحصد البارسا الكأس في مستهل الموسم الكروي الجديد.
الكلاسيكو الثامن (11/12/2011)، ضغط رهيب في الدقيقة الأولى من المباراة وهدف مبكر في الثواني الأولى من ذات الدقيقة عن طريق كريم بنزيمة، ظن البعض أنها بداية السقوط للبارسا الأولى على ملعب البرنابيو الذي لم يخسر عليه قط تحت قيادة جوارديولا، ولكن التفوق المستمر للبارسا في مواجهات الكلاسيكو بقيادة جوارديولا "المتواضع"، بالإضافة إلى ظهور كريستيانو رونالدو في بعض تلك المواجهات بمستوى هذيل نظراً للضغط النفسي الذي يواجهه والذي يؤثر بالسلب على مردوده، أدى كل ذلك إلى إدراك البارسا للتعادل في الدقيقة 30 عن طريق اليكس سانشيز، وفي الدقيقة 52 استطاع تشابي هيرنانديز مضاعفة النتيجة، بل أن الأمور أصبحت سهلة في أيدي لاعبي البارسا الذين تمكنوا من إحراز هدف ثالث عن طريق سيسك فابريجاس لتستمر أسطورة جوارديولا، الذي تفوق على أحد أفضل مدربي العالم جوزيه مورينيو.